التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فاطمة ناعوت تكتب: عن النقاب سألونى

لماذا أؤيدُ حكم محكمة القضاء الإدارى، الذى صدّق على قرار الدكتور جابر نصار ‏رئيس جامعة القاهرة، بحظر عضوات هيئة التدريس من ارتداء النقاب، داخل المعامل البحثية ومراكز ‏التدريب العلمية لطلبة الدراسات العليا؟

ليس فقط لأن من حقّ الطالب أن يرى وجه مُعلّمه لحظة الدرس، وليس فقط لأن النقاب اليوم أصبح يُذكّرنا بفضيحة مرشد الإخوان حين اعتمر نقابًا ليتخفّى عن عيون الناس محتميًا فى أثوابهن، وليس فقط لأننى أؤمن أن أقصى اليسار هو أقصى اليمين، كما تقول الفلسفة، وعليه فإن الإخفاء الكامل يشبه العرض الكامل من حيث أن كلا المرأتين ترى فى نفسها مادة إغراء وغواية، فتختارُ إحداهما أن تعرضَ على الناس إغراءها الكامل، فى حين تختار الأخرى أن تُخفى عن الناس إغراءها، وهذا منطقٌ مرفوض لأن المرأة عقلٌ وإرادةٌ وشخصية وإنسان كامل الأهلية، وليست مادةً لإغواء الشهوانيين. ليس لكل ما سبقـ وحسب، ولكن لأسباب أخرى مضافة، أودُّ توضيحها.

أفرحُ حين أصادفُ وجه طفل يضحك، أو سيدةً أنيقة، أو أشاهد بناية منظمة جميلة، أو شارعًا نظيفًا، أو أرمق شجرة مزهرة عند المفرق، أو أتأمل ظلالا كالدانتيللا رسمتها الشمسُ على الرصيف، أو أرفع عينى نحو السماء فأبصر غيمة تأتى على غير موعد لتُغلل وهج السماء. أفرح حين أقرأ كتابًا جميلا، أو أسمع أغنية عذبة، أو حين يُباغتنى وجه امرأة صافيًا مشرقًا، وأحزن حين أصطدم بأبنية متنافرةٍ، وطرق لا انتظام فيها، وبشر يغلظون القول ولا يجيدون الكلام، أو يلبسون ما يزعج البصر والروح. أحزن أكثر حين أرى النساء يخفين وجوههن لأنهن يؤمن أنهن مفردات اقتناص للرجال؛ وفى هذا سوء ظن مزدوج بالنفس وبالآخر، فى النفس باختصارها فى محض "متاع" يخص الرجل، وفى الآخر باعتباره قناصًا ينتظر الفريسة.

أؤمنُ إيمانًا حاسمًا بحرية المرء في اختيار طرائق رسم مظهره، مثل إيمانى بأن "الوجه" الإنسانى هو بطاقة التعريف ID الربانية بالإنسان. لهذا فإن اعتمار المرأة النقاب لإخفاء وجهها أراه منطويًّا على مشكلتين محوريتيْن.

الأولى أنه اعترافٌ صريحٌ ونهائى من قِبَل المرأة أنها إنما محض أداةُ استمتاعٍ للرجل، وفقط. وهذا أمر لا يُعدُّ اختصارًا لكيانها وحسب، بل هو ضربٌ من التحقير والتهميش لوجودها لا يقبله الله. "بيدها هى لا بيدِ عمرو". فضلا عن التناقض الجليّ بين أن تطالب النساءُ بالمساواة بالرجل وفى الوقت ذاته يرضين أن يستقين طرائق معيشتهن وأسلوب تعاطيهن لكلّ الأمور، حتى الملبس، من خلال منظور الرجل ومرجعياته. فالمطالبة بالنديّة تنطلق فى الأساس من الخروج من عباءة الرجل على نحوٍ تام. لكن الشاهد أن المرأة ذاتها لم تكتفِ بأن ينظّم لها الرجل حياتها، بل تسعى راضية مرضية لأن ترتب أمورَها، حتى أدق التفاصيل، من خلال عينيّ الرجل.

الثانية، أن وضع النقاب ينطوى على سوء ظنٍّ مُبيّت بالآخر الذكر. وكأن كل الرجال هم بالضرورة ذئابٌ بالفطرة، ينتظرون الصيدَ المطروح كي يسارعوا باقتناصه. لكن الشاهد أن نسبة المرضى من الرجال لا تختلف كثيرا عن نسبة النساء المريضات. إذْ لماذا نسّلم بأن لا نساءَ يرين في الرجال قنصا؟
 والمشكلة الأخطر التي تنطوي عليها الفكرتان السابقتان هي إلغاء عنصري "الاختيار و الإرادة". اختيار وإرادة المرأة واختيار وإرادة الرجل على السواء. فسوء الظن بالنفس، وسوء الظن بالآخر، بينهما كليهما بديلٌ راق وجميل ومنطقي هو بمثابة الثالث المرفوع الذى تطرحه المرأةُ أرضًا حين تضع على وجهها نقابًا. هذا البديل هو حسن الظن بالنفس وبالآخر مادام عنصر الإرادة موجودًا. إرادة واختيار أن نخطئ، أو ألا نخطئ. فلا فضيلة تُخدش بغير إرادة الإنسان. ولا فضيلة تُحفظ بغير إرادة الإنسان.

الفضيلة والعهر ليستا "شكلا" وزيًّا، بل عقلٌ وقرارٌ وإرادة وطريقة نظر إلى العالم. 
إن إخفاء الوجه هو إخفاء لهوية المرء. الهوية الربانية التى منحها لنا الخالق، وليست تلك الهوية المدنية التى تهبها لنا الدولة فى رقم وبطاقة وتعريف.

المرأة بالتأكيد هي أحد رموز الجمال فى الحياة. ليس الجمال الحسى الساذج الرخيص، بل الجمال بالمعنى الفلسفيّ الأشمل والأرفع والأجلّ. مثلها مثل كلّ مفردات الحياة التى تكرس الاتزان النفسىّ وتعادل موضوعيا كل ما تنطوى عليه الحياة من قبح وعبث. مثلها مثل الوردة والنهر والغيمة و الخضرة والثلج والموسيقى والقيم الرفيعة والألوان والطفولة والخير والعدل.... إلى آخر تلك القائمة الطويلة من الرموز التى تجعل لحياتنا مبررا مقبولا كى نواصل الطريق على صعوبتها ومرّها. قائمة المعطيات الجمالية التي وهبنا إياها الله كمنحةٍ لعيوننا وانتعاشنا البصرى، وما يزال ينهل منها الشعراء إذا ما أحبوا أن يكتبوا شيئا رفيعا وساميًّا.

والمرأة ذاتها تدرك أنها معطى جمالى على نحوٍ فطرى. تدركه منذ طفولتها ودون معلّم، وفى هذا دليل على أن إدراكها هذا محض فطرة جبلها الله عليها بغير أن ينطوى فكرها على وجود الرجل أصلا. نجد الطفلة الصغيرة تطيل النظر إلى المرآة، ترتب شعرها وتنتقى شرائطَها الملونة وتعنى بفساتينها وتنسيق ألوانها. هذا الإحساس المجبول بأنها إحدى مفردات الجمال فى الوجود، والبرىء من نظرة الرجل تماما، يلازمها حين تغدو صبيّة وحين ستصبح امرأة. وهذا يفسر أن تجد المرأة، فى المجتمعات التى تلتزم النقاب، تمعن فى تجميل هاتين العينين وإبراز جمالهما بالكحل وأدوات الماكياج، بل وبالعدسات اللاصقة الملونة أحيانا. رغم أن لا شىء أجمل من وجه امرأةٍ بلا مساحيق. هى هنا تتحايل على القانون الذى يعسف الفطرة، وهى بكل يقين لا تفكر فى أن تغدو جميلة فى نظر رجل ما، بل هي تقدس جمالها وحسب، وتظهره للحياة. فهى نفسها الطفلة التى أطالت النظر إلى المرآة قبل أن تدرك أن ثمة ما يدعى رجلا.


كلنا يعرف أن كثيرًا من آيات القرآن الكريم نزلت في ظروف خاصة ولأسباب محددة وفق متطلبات مجتمعات لها ظروف وأعراف تناسبها تلك الآيات. نزل القرآن قبل وضع دساتيرَ وأحكامٍ وقوانينَ تحفظ حقوق الناس فكان هو بمثابة كل ذلك. وأما المجتمع المدنى الذى سنّ قوانين وأعرافًا تحفظ للمواطن حقوقه، عطفًا على ما أسلفتُ حول الاختيار والإرادة، هى أمور كفيلة أن تُنجّي المرأة من المخاطر التي يظن البعض أن النقاب قد يحميها منها. وهل منعَ النقاب خطف النساء والتحرّش بهن؟ وهل منع النقاب بعض النساء أنفسهن من ارتكاب الأخطاء؟

قضية الفضيلة أوسع مما نرتدى أو نكشف. لأن الفضيلة تكمن فى العقل والدماغ لا فى عدد السنتيمترات التى نُظهر أو نخفى من أجسادنا.
الحياة بالفعل مليئة بمفردات القبح ىلذي يستطيل ويتمدد كل يوم. القبح على المستويات المادية والمجردة. التلوث البصري والسمعى والأخلاقى والنفسى واللغوى والمعنوى والوجودى والسياسى، فى مقابل مفردات قليلة من الجمال الذى ينحسر أيضًا بالتدريج وتباعًا حتى أوشكَ على الاختفاء.

أنا كإنسان وكشاعرة وكامرأة أفرح بأىّ من القليل الجميل الذى أصادفه فى يومى، وأعدّه ذخيرةً ومنحة تساعدنى على مواصلة الحياة.
المصدر: مبتدأ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بالفيديو.. البرد يجمد المياه في "بر الكويت"

وثق مواطن كويتي حالة تحول المياه إلى "جليد" في بر العبدلي؛ وذلك نتيجة الانخفاض الشديد في درجات الحرارة، الذي تمر به البلاد حالياً.   وفي "الفيديو" الذي بثته صحيفة "الأنباء" الكويتية، رمى صاحب "الفيديو" عبوة فارغة على المياه، التي تجمدت، وتحولت إلى جليد، فظهرت "العبوة" وهي تتدحرج على سطح "الجليد".   جدير بالذكر، أن منطقة الشرق الأوسط تتعرض للعاصفة الباردة "الكسا"، القادمة من روسيا، ومن المنتظر أن تبلغ ذروتها اليوم الخميس، وغداً الجمعة.

POLO brand launches its new collection for autumn

Considered ' Polo ' new symbolic reflection of the personality of modern women . It blends designs ' Polo ' bohemian touches romantic lines, stylish sports , and glides in the distinctive character of American nods urban selectivity together to lend a unique taste personally . And shines designs ' Polo ' tweed fabrics and elegant black dresses and simple views of lively adventure and stylish leather , to turn into a pattern Fayyad simple and vital - and The enthusiastic spirit and elegant. And will go ' Polo ' new range of women's fashion in the season autumn 2014 as part of the shop ' Polo ' new object in the 711 ' Fifth Avenue ' in New York City ; will be sold in stores brand around the world , as well as a bunch of selected stores, and online through the site : RalphLauren.com/WorldofPolo

طرق الحصول على رائحة منعشة للملابس داخل الدولاب

للحصول على رائحه منتعشه و جميله لملابسك و الايشاربات داخل الدولاب و الادراج ينصحكِ الخبراء بتعطير ملابسك بأكثر من طريقة: * ضعي بين الملابس المسك الأبيض البودرة أو الحجارة لرائحة لا تقاوم . ( يمكنك شراء مكعبات المسك من العطار ) * عند ترتيب الملابس ضعي بينها عدة مناديل ورقية معطرة بعطرك المفضل ( المناديل المبلله اتركيها تجف و اعيدي تعطيرها بعطرك المفضل . وثقي تماماً أنها ستمسك الرائحة بها وفي الدرج. * إذا أردتِ تعطير الملابس بعطر عربي ولكن تخشين أن يصبغ بلون العطر، تستطيعين أن تضعي بضع قطرات من العطر في قطعة قماش قطنية، ضعيها بين الملابس والنتائج ستكون رائعة. * تستطيعين كذلك وضع مناديل معطرة داخل كيس المخدة، فتضل دائما جميلة وعطرة. * يمكن أن تضعي قطرات من دهن العود أو أي عطر مفضل لك مع ماء المكواة أثناء كي الملابس